أبناء الدعوة بالنسب وأبناؤها بالتبني

Filed under: by: ragabhpl


نقلا عن محمد خيرى
للدعوة ابنان، أحدهما بالنسب والآخر بالتبني :

أما الأول فسمته سمتها، ونوره نورها، وبهاؤه بهاؤها:

1- تشعر عندما تراه أنه ربيب القرآن، وخريج جامعته، ينطق الصدق، ويتحرك بين الناس بآداب النبوة، وكأنه كان يعيش مع نبيه- صلى الله عليه وسلم- تحت سقف واحد، إن حضر تعلَّقت بمحيَّاه العيون، وإن غاب اشتاقت إليه القلوب، يغار على حرمات الله أكثر من غيرته على حرماته هو.

2- يشعر في قرارة نفسه أنه ابن الدعوة الوحيد، وكأنها لم تُنجِبْ إلا هو؛ فهو في المسجد يجمع الناس على الخير، وفي العمل له في قلب كل صاحب له مكان، يعود المريض، ويواسي المجروح، وينصح المخطئ في رفق، وهو بين أهله مصباح البيت، وعافية البدن، وشمس النهار، وللدعوة في قلبه كرسي الملك، نهاره في أمورها، وليله مشغول بها وفيها، جسده بين أهله، وعقله مع الأمة الجريحة، يفكر في أمر شبابها وشيبها، ونسائها وأطفالها، وما يحيط بهم من فتن يدبرها شياطين الإنس والجن..!!

3- كم بكى ليالي لفلان العاصي، وعلان الشارد، وفلانة الهائمة على وجهها، ناسيةً ربها، ناكبة طريقه!! كم اعتل بدنه من غير علة، وما به من علة إلا جرح المسلمين الغائر من كل منطقة من جسده، دماء المسلمين تنزف من جسده، وتأوهات اليتامى والثكالى تخرج من قلبه، وبيوتهم تُهدم فوق رأسه، يجوعون فيجوع، ويشبعون فيشبع، ماله للدعوة، ووقته للدين0
ومع ذلك يقول ما قاله أويس القرني بعد أن تصدق بكل ما يملك.. من مال، وطعام، وثياب، حتى جلس في بيته عريانًا.. ثم قال: "اللهم.. أبرأ إليك من كل كبد جائع من أمة محمد في أي مكان".

ذلك هو ابن الدعوة بالنسب، وحقَّ لمثله أن يفتخر بهذا النسب العظيم، الذي حرم منه الملايين وإن ادعوه ونسبوا أنفسهم إليه.

أما ابن الدعوة بالتبني فيعجبك رسمه ومنطقه ورونقه،

1- لكن ما إن تصحبه أيامًا إلا ويتبين لك انطفاءُ نورِ الوجه أو خفوته؛ جرَّاء تركه لأوراده وأذكاره، يُثبت لنفسه الأخلاق باللسان والواقع ينفيها بألف دليل وبرهان، الدعوة حاضرةٌ في كلامه غائبةٌ في أفعاله، ألِفَت نفسُه القعود، وتعوَّد قلبُه الركود؛ فلم يحرك فيه ساكنًا ضياعُ الشباب، ولا سفكُ الدماء، ولا تنكيسُ رايات الحق، وعلوُّ رايات الباطل في كثيرٍ من الميادين..!!

2- إن قيل له أدرِك مالَك هرع وأسرع، وإن قيل له أدرِك دينَك ودعوتَك كأن لم يسمع، ليله رقاد، ونهاره غفلة، وكأن بينه وبين آهات المعذبين وصرخات المكلومين آلافَ الحُجُب، لا يروعه خلوُّ مسجده من لمسات الدعاة، أو فراغُ حيِّه من آثار الهداة، تمتلئ المواخير بالفجار، وتفرغ المساجد من الأطهار، ويهجم الباطل على الحق في بيته وشارعه وعمله ومجتمعه ولا يهتم، ثم يقول لك أنا ابن الدعوة، ونسي هذا المسكين أن النسب له قرائن، وأن التبني حرام في الإسلام، فنسبته للدعوة باطلةٌ حتى وإن اقسم ألف يمين.

فكلٌ يدَّعي وصــــــــلاً بليلى وليلى لا تُقرُّ لهــــم بذاكَ
إذا اشتبكت دموعٌ في جفونٍ تبيَّن من بكى ممن تباكى

فأدرِك نفسك يا ابن الدعوة، وحقِّق القرائن تظلَّك الدعوة بظلِّها، وتحضنْك مع أهلها.. يوم لا ينفع إلا العمل